منتديات الاردن في القلب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 السموات السبع 1328757411241
 السموات السبع Hp81M-I1Jr_42346995

    السموات السبع

    avatar
    سارة بوزيان


    المساهمات : 20
    تاريخ التسجيل : 17/01/2012

     السموات السبع Empty السموات السبع

    مُساهمة من طرف سارة بوزيان الثلاثاء يناير 17, 2012 3:38 am

    لقد أصبحنا في زمنٍ كثر فيه الجدل وبَعُدَ الناس عن الحقيقة... لقد ابتعدت نفوسهم عن خالقها وتحوَّلت قلوبهم عن كلامه تعالى وذلك لِمَا وجدوه من تفاسيرٍ مغذاة بدسوس المغرضين وخيال المقلِّدين الساذجين كلامٌ تمجّه النفس يتحوَّل عنه القلب، وهكذا لم يبقَ من الإسلام إلاَّ اسمه، ومن القرآن بُعداً عن فهم حقائقه إلاَّ رسمه.

    وها هو القرن العشرين قرن البحوث في الذرة والمجرة، قرن ارتياد الفضاء واعتلاء القمر، خرج الباحثون خارج نطاق تأثير الأرض وجاذبيتها بمركباتهم الفضائية، وعادوا ولسان حالهم يقول: لم نجد تلك السموات التي ادَّعى نبيكم أنها من ذهبٍ ونحاسٍ وفضة وغيرها، لا بدَّ أنكم تتخيلون ولرجلٍ واحدٍ تتبعون، ولَّى زمان الماضي، فقرآنكم لا يصلح لحضارة القرن العشرين بدليلنا العلمي العملي، فأنتم مخطؤون.

    فبتنا وبات الناس أجمعين بأقوالهم العلمية مقيدين ولا جواب ولا ردَّ عليهم، فهم غالبون، لولا أن سبقهم العلاَّمة قدَّس الله سرّه قبل علمهم ينقض دعواهم من الجهل، فبات مُقلِّدة العلماء لأفواههم فاغرين وعن علمهم مذهولين، إذ جاءت شروحه حقائق سامية حصيلة إبحارٍ عظيم ببحار محبته والإقبال عليه تعالى ارتباطاً واستشفاعاً بالسراج المنير e لحقائق القرآن العظيم.

    كذلك غَفِلَ المسلمون وأهل الكتاب عن حقيقة الأيام الستة في بدء الخلْق مع مخالفتهم الصريحة للمنطق واللغة والحق، وحتى الإيمان بقدرة الله عزَّ وجل، فظنُّوا بالله يتعب ويرتاح وما يخلق يستغرق مدة من وقته عكس قوله جلَّ شأنه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(1).

    فوقفوا وهم لا يجيبون، بل بكلمة واحدة لا ينبسون، لا سيما أولئك الذين عن كتب الدسوس والأساطير المختلفة لا يحيدون، والآن أتى الماء إلى صحرائهم ممَّن برّأ دينهم ونزَّه ربَّهم مما يقولون، ورسولهم بما يتَّهمون، أظهر الحقيقة بالشريعة بالحق والمنطق، وإليكم الحقيقة الرهيبة للسموات السبع والأيام الستة.


    حـقيقـة السـمـوات الســبع

    من عظيم فضل الله تعالى على الإنسان أن جعل أمامه هذا الكون كتاباً مفتوحاً بما فيه من آيات بيّنات دالة على قدرته ورحمته ولطفه وعدله... وجميع أسمائه الحسنى وجعل حياة هذا الإنسان ومعاشه واحتياجاته منه تعالى عن طريق هذا الكون الذي هو غاية في الدقة والنظام يسير ضمن قوانين ثابتة لاتتغير ولا تتبدل وحركة هادفة متعاونة متكاملة لخيرك ومعاشك وبسطك وسرورك ونموك وحياتك تتحرك ضمن مسارات دائرية تقريباً تبدأ من حيث تنتهي أو تعود من حيث بدأت.. كل ذلك من أجل أن يستدل الإنسان من خلال نظره وتفكره في هذا الكون ونظامه وعطائه على الخالق المربي الرازق المسير وعلى أسمائه الحسنى تعالى ويؤمن بلا إله إلا الله من خلال تفكره بهذه الآيات ويستدل كما استدل مَنْ قبله من الأنبياء والرسل الكرام وصحابتهم فكلهم سلكوا بهذه المدرسة العليَّة وآمنوا بالله بتفكيرهم بآيات الله الكونية وشاهدوا ملكوته تعالى بعيون بصيرتهم. وقد أورد لنا تعالى إيمان أبي الأنبياء والمرسلين وجعله مثالاً أعلى لكل طالب حق وحقيقة؛ كيف فكَّر وتطلَّب الحق والحقيقة حتى أراه الله ملكوت السموات والأرض وكان من الموقنين بهذه الرؤية القلبية العظيمة.

    ثم أمرنا تعالى نحن بني الإنسان باتِّباع هذا النهج بقوله الكريم: {..وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً..}(1): حتى تستطيع الدخول من هذا البيت على الله يجب أن تدخل من هذا المدخل الذي دخل منه سيدنا إبراهيم عليه السلام فكَّر فرأى أن لهذا الكون خالقاً، فكَّر وعمَّق ببدايته ممَّ خُلِق، فكَّر حين رأى الكوكب والقمر والشمس وثابر بالبحث عن ربه وطَلَبَهُ حتى وجده فصار مؤمناً، أنت سِرْ مثله، استدل على لا إله إلا الله استسلم لتصير لك صلة بالله. إن فكَّرت اهتديت ثم تستقيم فتستطيع أن تصلِّي بعدها تسير بصحبة أهل الحق فتدخل من هذا البيت على الله، فبواسطة فكرك تستطيع الوصول إلى الإيمان وبدون رسول، ومن التفاحة من طعمها تستدل.

    وقد أورد تعالى في سورة الأنعام (83-88) أسماء طائفة من الأنبياء المرسلين وذلك بعد أن أورد النهج الذي نهجه سيدنا إبراهيم e في تفكره بالكون حتى هداه إليه تعالى وأراه ما أراه وقد بيّن لنا تعالى بإيراده هذه الطائفة الجليلة أنهم سلكوا نفس المسلك الذي سلكه سيدنا إبراهيم e فاجتباهم الله وهداهم. {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا}: ألا تتذكَّر كيف كنت نطفة يا إنسان؟ ألا تفكر ببطن أمك من ربَّاك؟. {آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}: إذ قال لهم بأن الصنم لاشيء بيده فلِمَ تعبدونه!. {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}: إذا فكَّر الإنسان وسلك فعقل رفعه الله من مقام إلى مقام، كل إنسان على حسب إيمانه، الأمور بالعدل، البلاء مخصَّص، الرحمة مخصَّصة. كل امرئ ودرجته وما يناسبه. {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}: حكيم مبني فعله على علم بحال كل إنسان. {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ}: نبياً... لما استسلم إلى الله وسار بالسيْر العالي أعطاه الله الدنيا والآخرة. {وَيَعْقُوبَ}: نبياً. {كُلاًّ هَدَيْنَا}: حيث سلكوا كما سلك سيدنا إبراهيم عليه السلام. كل واحد على حسب اجتهاده لا جزافاً. كل واحد على حسب ما وصل إليه من الإيمان. {وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ}: كذلك اهتدى إلى هذا الطريق. فعل كما فعل إبراهيم عليه السلام، نظر ببدايته فاهتدى. {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ}: لنوح ولإبراهيم. {دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ}: كلهم سلكوا هذا المسلك. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}: كل هؤلاء سلكوا هذا الطريق فصاروا من أهل الإحسان فنالوا ما نالوا، كل إنسان إذا فكر وعقل صار له هذا العلم وسلك مسلكهم. {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ}: أيضاً كلهم سلكوا هذا الطريق نفسه. {كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}: فصلحوا لعطاء الله. {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}: حيث سلكوا نفس هذا المسلك صاروا أسياداً في زمانهم. {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ}: إلى الهدى لأن يهدوا الناس للحق ويرشدوا. فكَّروا واستدلُّوا واستقاموا. كل من سلك نال. فمنهم من صار رسولاً أو مرشداً.. {وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}: إن ما صرت وليّاً لن تدخل الجنَّة. {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ..}: إذن لا يوجد غير هذا القانون.

    هذا هو الطريق الذي بيَّنه الله تعالى للخلق ليسلكوا مسلك أبيهم إبراهيم عليه السلام، إذ فكَّر فاستدل، كل من سلكه اهتدى فتفتحت بصيرته وشاهد الحقائق، ثم أورد تعالى عن أولئك الرجال الهداة الأنبياء المرسلين نصحه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..}(1).

    أيها الإنسان ليس أمامك إلاَّ هذا القانون. فإن لم يؤمن الإنسان هذا الإيمان فلن يستفيد شيئاً، لن تكون صلاته مزدانة مليئة بالمشاعر والأحوال والأذواق والمشاهدات.. مترعةً بالنعيم القلبي بصلته اليقينية بالله "فلو اتصلت نفس الإنسان فذاقت تفاحةً أو فاكهةً شهيةً أو قارب زوجة يودُّها فإنه ليشعر بنعيم يسري بفؤاده وقلبه، أو قبَّل طفلاً محبوباً من أبنائه وهذه ذرَّات من جمال الخالق الجليل نثرها بهذا الكون الفسيح.. فكيف بنعيم النفس إن اتصلت بربِّ الجمال وخالق كل الفتن والروْعات!. نعم إن لم يؤمن الإنسان هذا الإيمان ويسلك نفس المسلك الذي سلكه أبونا إبراهيم عليه السلام فستكون صلاته خاويةً خاليةً من نعيم الاتصال بذي الجلال والجمال، بل تبقى مجرَّد حركات لا حياة فيها ولا نعيم، تقليداً لا حقيقة، فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل. ناهيك عمَّا يطرأ بنفس المصلِّي أثناء صلاته الحقيقية بالله العظيم، حيث تزول من نفسه الأدران والصفات الذميمة وتُبدَّل بصفات الطهر والعفاف والكمال كما انقلب الصحابة الكرام فزالت من نفوسهم الصفات الذميمة وأضحوا مزدانين بالكمال قادة الأمم وسادة الأجيال.. ذلك أنهم سلكوا بالإيمان "كإيمان أبيهم إبراهيم e"، عندها صارت لهم الصلاة الحقيقية والتي رفدت نفوسهم بالكمال. إذن نقول كما قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ..}(1): فمن لا يسلك بالإيمان مسلك سيدنا إبراهيم فيميل إلى معرفة ومشاهدة ربّه حتى تكتشفه نفسُه ويحظى بلقائه تعالى فقد أهمل نفسه وتركها جاهلة، هذا الذي ظلم نفسه.

    ولقد دعا الله تعالى الإنسان لأن ينظر بآياته في السماء ثم في الأرض.. دعاه لينظر في السموات السبع وما فيهن من آيات دالة على أسمائه الحسنى وعلى قدرته، رحمته، عظمته، تسييره، أي: إلى (لا إله إلا الله).. لينظر بالنجوم.. بالشمس.. الكواكب.. القمر.. الليل والنهار.. وما خلت سورة من سور القرآن إلاَّ وتضمنَّت هذه الدعوة وخصوصاً في جزء عمّ: (والشمس وضحاها..، والليل إذا يغشى..، والسماء ذات البروج..، أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت).

    ولكن ماهذه السموات السبع وهل هي حقيقة كما يورد البعض بأن لكل سماء سقف من حديد. وأخرى من نحاس وأخرى من ذهب.. فضة. والله تعالى يخاطبنا بما نرى ونشهد، فقوله الكريم "قل انظروا ماذا في السموات، فلو كانت محجوبة بفضة وغيرها فكيف نراها وننظرها"؟!.

    لقد أورد تعالى في مطلع (سورة النبأ) عدداً من الآيات التي تشرح وتبين كيف عمَّ بفضله تعالى هذا الكون وهذا الخلق أجمع وخصوصاً بني الإنسان إذ الإنسان هو السيد المكلَّف في هذا الكون والكل مسخر لخدمته.

    فلقد أورد تعالى عدداً من الآيات الكونية التي هي تحت بصره يشعر بها ويراها وينال من عطائه تعالى بواسطتها:

    {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً}: مهيأة موطأة للاستعمال والانتفاع بها، {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً}: لتثبيتها. {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً، وَجَعَلْنَا اللَيْلَ لِبَاساً، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً}.. ثم ذكر تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً}(1)، وكلمة (شِدَاداً) تبين صفة السموات في قوتها وعدم تطرق الفساد إليها. وكلمة (سَبْعاً) تعرِّفنا بتلك الطبقات المتتالية (السموات التي تأتي واحدة بعد واحدة محيطة بالأرض من جميع الجهات). وهذه السموات السبع مرتَّبة حول الأرض كالآتي:

    1ـ سماء الهواء: فهذا الهواء الذي لولاه ما كانت الحياة وهو المحيط بالأرض من جميع جهاتها، أليس اتصاله بالأرض ومحافظته على كثافات متفاوتة معينة وضغوط جوية متعددة معينة دليلاً على وجود طبقة وإن شئت فقل سماء محيطة به تضمُّه من جميع الجهات مانعة له من التخلخل والتشتت في الفضاء.

    2ـ سماء السحب: فانظر إلى السحاب تجده يتلبَّد في طبقة معينة من الجو لايعدوها والذي يمنعه من ذلك هو الحاجز الذي يحول بين هذه السحب وبين عروجها المتواصل في الفضاء.

    3ـ سماء القمر: فالقمر في دورانه حول الأرض ضمن مدار معين لا يتعداه بعداً أو قرباً عن الأرض وهذا دليل على وجود قوة مانعة له من التباعد عن الأرض والشرود في الآفاق وهذه هي السماء الثالثة.

    4ـ سماء الكواكب: وكذا للكواكب السيارة سماء تحفظها من التبعثر ومن أن تهوي على الأرض فتجعلها هباءً منثوراً، وهذه السماء الرابعة.

    5ـ سماء الشمس: وللشمس سماء فلا تتعداها ولاتتجاوزها وهي السماء الخامسة.

    6ـ سماء النجوم: وللنجوم المنتشرة في أقاصي الفضاء سماء جامعة لها تضمها جميعها وتحفظها من مجاوزة مواضعها وهي السماء السادسة.

    7ـ السماء المحيطة: وأخيراً فهناك سماء سابعة محيطة بهذه السموات جميعها وهي أعظم السموات قوة وتماسكاً.

    فمن الذي بنى هذه السموات ومن الذي يمدها بهذه القوة الهائلة التي لا يمكن أن يتصورها إنسان أليس هو الله تعالى الذي عمّ إمداده وفضله جميع الكائنات، ثم كل ما ذكره تعالى آيات تحت بصر الإنسان وتحت شعوره، يشعر بها.. يراها.. يحسها.. وإذا نظر مفكِّراً استعظم خالقها وآمن به من خلالها. إذاً فلو كان كما يذكر البعض: سماء من ذهب، وسماء من فضة، وسماء من نحاس، فَلِمَ يلفت نظرنا تعالى لآيات لا نراها ولا نشعر بها، ولا ندرك أي أثر من رؤية أو سمع أوشعور.

    إذاً فما السموات السبع إلاَّ عبارة عن الطبقات المتوالية المحيطة بالأرض فالطبقة الأولى: هي سقف الهواء لا يتعداه إنما تبقى تحته مشدودة للأرض، والطبقة الثانية: هي سقف الغيوم لا تتعداه، بل تبقى مشدودة للأرض، والطبقة الثالثة: سقف القمر لا يتعداه، إنما يبقى مشدوداً للأرض، والطبقة الرابعة: سقف الكواكب لا تتعداه مشدودة للأرض، والطبقة الخامسة: سقف الشمس لا تتعداه، والطبقة السادسة: سقف النجوم أيضاً لا تتعداه، والطبقة السابعة والأخيرة: هي السماء المحيطة بكل السموات وما فيهن كقشرة البيضة الخارجية وقد أحاطت بكل مكونات البيضة، أو قشرة البطيخة وقد أحاطت بكل مكونات البطيخة وحفظتها، السماء السابعة تحفظ السموات الست بما فيهن من الخلل والتبعثر العشوائي، ثم ما يؤيد ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً}(1).

    وهنا يلفت سيدنا نوح e نظر قومه لينظروا ويفكِّروا بهذه الآيات ليؤمنوا بالله تعالى. فهذه الطبقات تحت نظرهم باستطاعتهم أن يفكِّروا بها إذ هي طرائق حياتهم قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ..}(2): سبع سموات كلها طرقٌ لحياتك، لمعاشك.. وكل منها طريق لفضل الله تعالى لتتنزَّل عليك الخيرات، ألا تفكِّر بهذا؟. وعن طرقها تنزل الخيرات من أجلك من أمطار، ومن إشعاعات الشمس في إنشاء الحياة للنبات، بل لكافة المخلوقات، وكذا القمر وجذبه للمد والجزر بالبحار ونفعه للنباتات وللأجسام، ومن الهواء وبدونه لا تتم الحياة أيضاً للمخلوقات والنباتات، ومن تأثيرات الكواكب والنجوم في زجر البحار عن أن تنساح مياهها وتخرج عن مواضعها، وتأثيراتها في انتظام دوران الأرض والضغوط الجوية وما إليها.

    ثم لفت نظر الإنسان إلى الآيتين البيِّنتين العظيمتين في هذه السموات، فقال تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً}.

    وتشير كلمة (فِيهِنَّ) أن الشمس والقمر بين هذه السموات، فلو كان بين كل سماء وسماء سقف مادي كثيف لما استطعنا أن نرى الشمس والقمر.. فالله يخاطب أناساً لم تتفتَّح قلوبهم فتشاهد علَّهم إن نظروا بعيونهم وفكَّروا تفتَّحت قلوبهم للنور والإيمان. إذاً يخاطبهم بما هو تحت مدركاتهم وحواسهم المادية.

    أمَّا قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ..}(1): فالمقصود بالسماء الدنيا ما هو واقع تحت بصرك قريب منك في إدراكك لصورته.. فلو خرج الإنسان خارج الطبقات الجوية المحيطة بالأرض لما رأى هذه المصابيح بالصورة التي يراها وهو على الأرض.. ولما رأى الشمس ولا القمر بتلك الصورة الجميلة المزينة لمنظر السماء التي هي تحت إدراكنا ونحن على سطح الأرض.

    ولولا السماء لما لزمت الأرض مدارها الذي تجري فيه الآن بنظام، بل لجرت شاردةً في الفضاء ولأدركها الخراب والاضمحلال، لكن هذه السماء تجمع الحبَّات إلى بعضها بعضاً وتسلِّكها في هذا النظام العام، فلا يحصل لها في جريها خروج عن مدارها ولا يعتريها أدنى انحراف.

    ولولا السماء لما لزمت الشمس مكانها من الأرض ولما أمدَّتها بهذا الإشعاع والضياء وبالتالي لما تولَّدت الفصول ولا الليل ولا النهار.

    ولولا السماء لما استوقفت تلك الطبقات الهوائية العليا الأبخرة المتصاعدة من البحر، ولما تشكَّلت الغيوم ولما هبطت الثلوج والأمطار؛ بل لشردت تلك الأبخرة في الأجواء، متفرِّقة الذرَّات، مبعثرة هنا وهناك.

    ولولا السماء لما دار القمر دورته حول الأرض، بل لفارقها ولما قام بوظائفه التي بها يقوم الآن.

    ولولا السماء لما تراكم الهواء في هذا الجوِّ الأرضي، بل لتناثرت ذرَّاته متباعدة ولما نشأ ضغط ولا أمكن التنفُّس، بل ولا عاش إنسان أو حيوان أو نبات.

    وهكذا ففي السماء آيات بيِّنات وهي تساعد بتضامنها مع الأرض على إمكان الحياة. فمن الذي خلق الأرض وأحاطها من جميع جهاتها بالسماء؟. هل خلَقَت ذاتها بذاتها؟!. هذا لا يكون؛ لا بد من يد عظيمة خالقة.

    من الذي جعل الأرض بيتاً معموراً بالكون وجعل لها السماء سقفاً محفوظاً ورفعها بغير عمد ترونها؟.

    من الذي جعل السماء طبقات، طبقة تحجز الغيوم وتحول بينها وبين التبعثر والفناء، وطبقة تحيط بالهواء من جميع الجهات فتجعله ملازماً حدَّ الأرض لا يفارقها أينما ارتحلت وحلَّت، وطبقة تجعل القمر ملازماً مداره حول الأرض لا يجاوزه ولا يتعدَّاه، وطبقة تجعل الكواكب المستمدَّة معظم نورها من الشمس في جرمها القريب من الأرض فهي لها مصابيح تزينها وتحفظها، وطبقة تعكس أشعة الشمس نحو الأرض فتنير الأرض وتدفئ سطحها وتبخر مياه بحارها وتنزل بها مياه الأمطار فتنبت الزرع وتملأ مستودعات العيون والأنهار، وطبقة تجعل النجوم المنثورة في مواقعها السحيقة بالبعد تتعاون مع بعضها بعضاً كالإناء الحافظ لما فيه لتساعد على بقاء الأرض وبقاء ما يحيط بها قائماً بوظائفه، فلا يستطيع شيء أن ينحرف انحرافاً ما، ولا أن يقصِّر في تأدية وظيفته قليلاً ولا كثيراً، وطبقة محيطة بالنجوم كلها، جامعة هذا الكون المشمول من جميع نواحيه بها، فهي لجميع ما فيه كالعلبة المحيطة، أو كقشرة الثمرة الخارجية الشاملة الحافظة.

    من الذي خلق سبع سموات طباقاً وأوحى في كل سماء أمرها ووظيفتها؟. بل من الذي الآن يسيِّرها ويحملها ويمدُّها!. من الذي خلق الأرض هذا الخلق العظيم وأحاطها بسمائها؟. من الذي يديرها بما فيها من أثقال وبحار دورةً كل يوم وليلة!. ما أعظمه!.

    أفلا يدلُّ هذا الترتيب على يدٍ منظِّمة وإرادة عليمة حاضرة حكيمة، بل وقدرة عظيمة متحكِّمة حاكمة لا نهاية لعظمتها؟. أليس ذلك هو الله الذي خلقك وأوجدك وخلق الأرض وما فيها والسموات السبع وما فيهن من أجلك ولدوام حياتك وتربيتك؟. أليس كله بعلمه تعالى ترتَّب؟. كل ما في الكون سائر بإرادته تعالى، قائم بالله ممارس وظيفته بعلمه فلا يعزب عنه تعالى مثقال ذرَّة في السموات ولا في الأرض. كلٌّ يعمل وكل شيء يؤدي وظيفته والله هو المشرف والمهيمن والممدّ والمسيِّر، كله من أجلك يا إنسان أفلا تكون عبداً شكوراً فتطلب الاتصال بالمنعم العظيم المتفضِّل!.

    الحـقيقـة الرهيبـة للأيـام السـتة

    وهل هي حقـاً كما يقولون في كتب الإسلام والنصارى واليهود: الأيـام السـتة مـن أيـام الأسـبوع

    لغوياً: كلمة اليوم مشتقة من أمَّ يؤمُّ.. ويمتد اليوم من اللحظة كما قال تعالى: {.. كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}(1).

    وقد يطول إلى خمسين ألف سنة، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}(2).

    وقد يكون ألف سنة، قال تعالى: {..وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}(3).

    واليوم المعدود من قِبَلنا هو اثنتا عشرة ساعة وسطياً ويزيد عنها في فصل الصيف كما ينقص عنها في فصل الشتاء وحتماً اليوم لايشمل الليلة مع نهارها كما أخطأها بعضهم لأن الله أوضحها حينما قال: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً..}(4).

    وكذا بآية: {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}(5) .

    مع حلول الظلام حتى انحساره ينتهي الليل ويبدأ اليوم ولذا دائماً تأتي في الصيام كلمة (اليوم).

    مثال ذلك قوله تعالى: {..فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ..}(1) .

    والصيام هو صيام النهار لا الليل، وكذلك لمَّا أعلم الله تعالى سيدنا زكريا e بأن لا يكلِّم الناس فجاءت بإخبارٍ ذكره تعالى في موضعين مفرِّقاً بين اليوم والليلة فيهما:

    أولاً: بسورة آل عمران (41): {.. قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً..} وهنا إشارة للنهار، والمفهوم منها عدم التكلُّم معهم فقط بالنهار ثلاثةً.

    ثانياً: بسورة مريم (10): {.. قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}. ويكون المفهوم العام للآيتين أنه e لم يكلِّم الناس ثلاثة أيام بلياليها.

    وكذا في سورة الليل: {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}.

    واليوم كما ورد في الآيات السابقة الذكر قد يعني اللحظة وقد يمتد إلى السنين فمثلاً كلمة (يوم زَيْد) هي بمعنى: عصر زيْد أَيْ: عمره واليوم هو حياته التي أمَّ لها منذ نشأته حتى وفاته. أما كلمة الليلة فمعلومةٌ محدودةٌ وسطياً بـ /12/ ساعة، وقولهم عن الستة أيام التي خلق تعالى فيها السموات والأرض أنها من الأحد إلى الجمعة ضمناً.. فنحن نعلم وعلى سبيل المثال أن كلمة (الأحد) تضم الليلة التي تسبق نهار الأحد، إذ بعصر اليوم يُعْصَرُ ويشارف على الانتهاء وعند الغروب يكون قد انتهى يومٌ وليلته قبله، لتبدأ ليلة اليوم القادم، ثم بنهاية الليل عند الشروق يبدأ نهار ذاك اليوم، ودليل ذلك قوله تعالى أن الليل يتبع دوماً النهار: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً..}(1).

    وكلمة {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فهذه الليلة متعلقة باليوم القادم الجديد الذي سيحل. {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}: وقد حل بعد زوال الليل وهو تابع لليلة الفائتة المذكورة. أما المتعارف عليه الآن أنه من بعد الساعة /12/ ليلاً تحلُّ ليلة اليوم التالي ليستمر وليلته للساعة /12/ ليلاً القادم، فهو غير صحيح فقد جزَّؤوا الليلة لجزأين قبل النهار وبعده وبقانون الله وما هو جارٍ بالطبيعة دوماً وأبداً، تبدأ الليلة بغروب اليوم السابق وينتهي اليوم (النهار) التابع لهذه الليلة بالغروب الثاني بعدها.

    فهل كان تعالى يعمل بخلق السموات والأرض نهاراً (ستة أيام) ويرتاح لياليها؟. حاشاه تعالى وترفَّع عن صفات المخلوق، وهل كان ثمَّة دوران للأرض قبل وأثناء خلْق السموات حتى يسمُّوا الدورة الأرضية حول نفسها بإسم أحد أيامها، أي: نهارها؛ ولم تكن دورة أرضية بعد. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، ومنه جاءت كلمة (الكون) الذي يشمل السموات والأرض وما فيهن، إذ قال له تعالى كُنْ فكان؛ فهو كون، ومن المعلوم أن تشكُّل الأيام والليالي نتيجة دوران الأرض بوجود الشمس، أمَّا قبل خلق الكون وتسييره فلم يكن هناك ثمة أيام أبداً إلاَّ بعد تجلِّيه تعالى على الكون وتسييره له.

    أما عن قولهم أنه خلقها في ستة أيام فالله تعالى إذا أراد أن يقرِّر حقيقة في نفس الإنسان يقررها بالشيء المشهود أمامه.

    وبذكر الأمثلة التي يراها ماثلة أمامه.. فمثلاً يقرر حقيقة الموت في نفس الإنسان من كلمة: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}(1).. فكلنا يرى المقابر والأموات ومواراتهم بالمقبرة.

    الله تعالى يخاطبنا بآيات فيها تبيان عن الكون وما فيه من أنظمة لعلَّ الإنسان إن فكَّر بصدق آمن حق الإيمان، قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَموَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(2) .

    باستوائه جلَّ وعلا إلى السماء، أي تجلِّيه عليها.. وقضائه لها بسبع سموات، أي تجلِّى على السماء بأسمائه الحسنى وسرت الحياة فيها وجعلها سبعاً وقامت كلُّ سماء منها بوظيفتها المخصَّصة لها وقام كل مخلوق فيها بعمله.. الهواء، الغيوم، القمر، الكواكب، الشمس، النجوم، السماء المحيطة.

    وأما عن المراد من كلمة (فِي يَوْمَيْنِ) في قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فنقول: ليس المراد من كلمة (فِي يَوْمَيْنِ) بيان فترة زمنية استغرقها خلْق السموات والأرض.. وإنك إذا رجعت إلى الآيات التي سبقت هذه الآية لتبيَّن لك المراد من ذكر الأيام مقروناً بخلق السموات والأرض، قال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(1).

    فالله تعالى حينما يقرِّع الكافرين ويسألهم: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} لا يريد بذلك أن يعرِّفهم أن خلق الأرض استغرق يومين لأن ذلك لايقيم عليهم حجة ولا يستدعي تفكيراً، إذ باستطاعتهم أن يقولوا: كيف يسألنا الله تعالى عن شيء لم نره، فنحن لم نشاهد خلْق هذين اليومين ولا علم لنا بهما. وبما أن الله تعالى لا يسأل عباده إلاَّ عن شيء ظاهر مشاهد ولا يطلب منهم التفكير إلاَّ في آيات بينة مشهودة يصلون من خلالها لتعظيم خالقها.

    إذن: كلمة (فِي يَوْمَيْنِ) تلفت نظر الإنسان إلى النظام الكوني القائم الذي بموجبه تدور الأرض دورتها حول نفسها ويتشكَّل منها الليل والنهار.. فكل ما يُخلَق وينشأ على الأرض لولا الليل والنهار لما تشكَّل ماتشكَّل من مخلوقات، فالأرض وما عليها من مخلوقات قائمة على نظام الليل والنهار.. إذاً فهي تؤم لهذين اليومين.

    أما كلمة (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ): فالمقصود فيها لفت نظر الإنسان إلى حركة الأرض الانتقالية التي تتشكَّل منها الفصول الأربعة وبواسطتها تحصل التبدلات الجوية في الصيف، والخريف، والشتاء، والربيع، أمطار، رياح، حر، برد.. كلها تساعد على خروج النباتات وانعقاد الأثمار وتأمين الأقوات اللازمة لما على سطح الأرض من مخلوقات. فالأقوات لا تنضج ما لم تمرُّ بها الفصول الأربعة وإليها يؤم نضوجها فهذه الأيام الأربعة مخصَّصة بالأقوات و المأكولات والثمرات التي تحتاج إلى مطر الشتاء وإزهار الربيع وإنضاج الصيف وتنظيف الخريف.. فهي الفصول الأربعة بذاتها والتي يؤمُّ إليها إنضاج الحبوب والثمار. هذه الفصول لا تحصل إلاَّ بزيادة الليل ونقصانه.

    ومن ذلك يتبيَّن أن اليومين اللذين تؤم إليهما الفصول في حدوثها وإيتاء أُكُلِها وتحقيق كمال وجودها وإتمام نعم الله على مخلوقاته هما الليل والنهار فبدوران الأرض وتشكُّل الليل والنهار الذي هو سبب بتشكُّل الفصول الناتج عن دوران الأرض حول نفسها. هذا النظام العظيم ليس مجرد صدفة ولا يقرُّ الفكر البشري بوجوده صدفة إنما يدلُّ على خالق عليم حكيم ورب رؤوف رحيم.. وهو طريق للإيمان جعله الله تحت عيان الإنسان علَّه يهتدي إن فكَّر كما فكَّر سيدنا إبراهيم عليه السلام.

    فالليل يوم، والنهار يوم، والفصول الأربعة: أربعة أيام.

    وهذه هي الأيام الستة التي ذكرها تعالى بمواضع أخرى كما في سورة يونس (3): {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ}: واحد هو المربي لك.. حياتك، قيامك به. {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ..}: لأجلك، لتربيتك في ستة أيام.. أربعة فصول وليل ونهار.

    وكذا في سورة الأعرا ف (54): {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ..}.

    فهذه التربية التي تحصل بها على طعامك وشرابك وتربيتك يا إنسان قائمة على نظام دقيق، فنظام السموات والأرض في الخلْق واستمرار الحياة يؤم لأربعة فصول وليل ونهار وهي الأيام الستة إن فكَّرت بهذا النظام اهتديت إليه تعالى. فالحمد لله ربُّ الدورة المائية بالدورة السحابية فالقمرية والشمسية والكوكبية فالنجمية المجرية، المتفضِّل بالطعام والشراب لعباده بهذه القوانين الصارمة في الدقة والمسخَّرة لنا منّاً منه تعالى وكرم. مُفتِّح أبواب السموات، مسبِّب أسباب السرور والبسط والخيرات، بذا يقلِّب القلوب والأبصار فهو دليل المتحيرين وغياث المستغيثين، أغثنا توكَّلنا عليك يا رب العالمين. المؤمنون يفوِّضون أمورهم إلى الله، البصير بمن خَلَق الذي يرزق ورزق، فلا حول ولا قوة إلاَّ به هو الحي المحي الباقي الذي لا يموت. جلَّت كبرياؤه وحفَّت رحمته بكافة من خلق عليه توكَّلنا وإليه أنبنا ودائماً وأبداً إليه المصير.



    (1) سورة يس: الآية (82).

    (1) سورة البقرة: الآية (125)

    (1) سورة الأنعام: الآية (90).

    (1) سورة البقرة: الآية (130).

    (1) سورة النبأ: الآية (6-12).

    (1) سورة نوح: الآية (15-16). (2) سورة المؤمنون: الآية (17).



    (1) سورة الملك: الآية (5).

    (1) سورة الرحمن: الآية (29). (2) سورة المعارج: الآية (4).



    (3) سورة الحج: الآية (47). (4) سورة الحاقة: الآية (7).



    (5) سورة الليل: الآية (1-2).

    (1) سورة البقرة: الآية (196).

    (1) سورة الأعراف: الآية (54).

    (1) سورة التكاثر: الآية (2). (2) سورة فصلت: الآية (11-12).



    (1) سورة فصلت: الآية (9-12).

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 3:03 pm